مجزوءة المعرفة : مفهوم الحقيقة


المحور الاول : الرأي والحقيقة

-  موقف غاستون باشلار : الرأي عائق معرفي يمنع الباحث من الوصول إلى الحقيقة التي يتوخاها، إن الحقيقة العلمية تنبني على بحث علمي خاضع لمنهجية دقيقة تسمو به فوق.
يؤكدغاستون بشلار وجود تعارض جذري بين الرأي والحقيقة العلمية. لأن الرأي في نظره مبني على الاعتقادات السائدة لدى عامة الناس. فهؤلاء يميلون إلى ربط المعرفة بالحاجة والمنفعة. أما الحقيقة العلمية فهي إنتاج وبناء يستلزم ضرورة التخلص من أفكار العامة واستبعادها.
-  موقف باسكال : هناك حقائق مصدرها العقل ويتم البرهان عليها، وحقائق مصدرها القلب ويتم الإيمان أو التسليم بها، إن العقل يحتاج إلى حقائق القلب لينطلق منها بوصفها حقائق أولى.
ان الرأي عامل مساعد يخدم الحقيقة ويمكنه الإنطلاق منه لبناء حقيقة ممكنة، وينتقد باسكال الزعمة القائلة بأن العقل هو المصدر الوحيد للحقيقة معتبرا أن العقل وحده لا يمكنه الإلمام بمعرفة كاملة حول كل الأشياء لأن هناك طرق أخرى لتحصيل الحقيقة كالقلب والإحساس والعاطفة والآراء الخاصة لأن الكثير من الحقائق يدركها القلب مثلا ولا يصل إليها العقل.

المحور الثاني : معايير الحقيقة

-  موقف ديكارت : الحدس والاستنباط أساسا المنهج المؤدي إلى الحقيقة، الحدس نفهم به حقيقة الأشياء بشكل مباشر والاستنباط هو استخراج معرفة من معرفة سابقة نعلمها.
يميز ديكارت بين سبيلين نحو الحقيقة وهما الحدس والاستنباط ، الأول هو الوصول إلى البداهة الشاملة المحققة لكل مطالب الذهن اليقظ، من وضوح وبساطة وإقصاء لكل معطيات الحس وتركيبات المخيلة . أم الاستنباط فهو حدس غير مباشر ينطلق من مقدمات يقينية أو مسلمات متأسسة على الحدوس تنتقل من حد إلى حد بحركة متصلة حتى يصل الاستنباط الى غايته وهو الحدس المركب ، لذلك فإن الحركة العقلية مبدأها حدس ومنتهاها حدس .
-  موقف اسبينوزا : الحقيقة معيار لذاتها إذ بفضل معرفتها نستطيع تجنب الخطأ والوهم، فشرط معرفة نقيض الشيء هو معرفة الشيء ذاته.
يرى باروخ سبينوزا من داخل التيار العقلاني أنه هناك تلازم حتمي بين الفكرة الصحيحة   والاعتقاد بصدقيتها الى درجة اليقين ، وهذا بفعل حيوية التفكير وملكة الفهم ، وبالتالي استحالة إقرار سمة اليقيني على الأفكار الخاطئة ، خصوصا بين الفرد وذاته ، فالفكرة الصادقة لها  الوضوح ما يمنع عنها كل مغالطة لذات.
وهذا ما يجعل الحقيقة تستلهم معياريتها الخاصة من ذاتها ، وهذا شرط ضروري حتى لا تصبح في مستوى واحد مع الأفكار الخاطئة اذا ما كان التأسيس للقيمة من خلال المطابقة مع الواقع الخارجي.

المحور الثالث : الحقيقة بوصفها قيمة

-  موقف مارتن هايدغر : كل انحراف على الحقيقة يجعل الإنسان يتيه ويضل عن الفهم السليم للأشياء وينتج التيه بسبب اعتماد الإنسان على الأفكار المسبقة في فهمه للأشياء.
إن الحقيقة المكتفية بذاتها ليس بوسعها تجاوز العوائق التي تحول دون تحققها ذلك أن الحقيقة كمجال تعانق الخطأ و الوهم ، بل إن الحقيقة في صميمها تستقر اللاحقيقة في دروب التيه .إن النظرة إلى الشيء تحول الشيء إلى مجرد مظهر ، والفكرة الميتافيزيقية للحقيقة  تقتصرعلى إقامة علاقة حيوية أو تطابق مع الواهر الملاحظة ، لكنها بهذا تغفل الظاهرة الأصلية وهي ما سماها هايديجر "السر" ، ذلك أن الإنسان لا يستشعر بكينونته التائهة في سديم الأوهام أو المستمسك بالحقائق الزائفة ، لهذا كان الوعي بحالة التيهان هو أولى الخطوات نحو الحقيقة لأن هذه الإخيرة هي الفعل الديناميكي الذي يجعل الأشياء تنبثق على ضوء يقظة فكرنا  ليفهم الوجود  ، كما أن الحقيقة هي  كشف الحجاب الذي يخرج الوجود من النسيان ، ولا أحد يمتلك هذه الحقيقة وإن كنا نسير عاى ضوئها.
-  موقف إريك فايل : نقيض الحقيقة التي يهددها ليس الخطأ بل العنف الذي يؤدي إلى رفض الآخر والدخول في صراع معه وإيقاف التفكير والاستبداد بالرأي.
إذا كان كل خطاب يدعي تضمن الحقيقة أو يقاربها ، وإذا كانت الفلسفة كمعرفة اتخذت من الحقيقة غايتها وأقصى مطالبها فإن غيابها كقيمة عليا ضرورية فإن نتيجته لا تكون هي الخطأ ، بل عاقبة هذا الغياب هو العنف أي الخصم اللذود للمعنى و للإتساق المنطقي والحجاجي. يكون أثر العنف على جهتين : جهة سلبية الفعل و اللغة، ثم جهة الرؤية السطحية والقاصرة على طرح الأسئلة الكاشفة للجوانب المعتمة والمغيبة.
كما أنه لا يمكن الفصل بين الخطاب ومنتجه ، لأنه ترجمة لذاتية المنتج وبهذا تنتفي الدعوة الكلاسيكية التي مفادها : مطابقة الفكر للواقع، لأن الأحق بهذه المطابقة هو الإنسان مع فكره أي مع التعقل.



X

أخي أختي لا تنسوا اخوانكم في فلسطين من الدعاء

اللهم انا نستودعك أهل غزة