مجزوءة السياسة : الحق و العدالة


المحور الاول : الحق بين الطبيعي والوضعي

-  موقف هوبز : كان الإنسان قبل تكوين الدولة والمجتمع يتمتع بحق طبيعي يخوله استخدام القوة للوصول إلى ما يستطيع الحصول عليه، بسبب هذه الفوضى فضل الإنسان الانتقال إلى حالة المجتمع من خلال تعاقد اجتماعي.
الحق الطبيعي يتأسس على القوة المطلقة و الحرية العمياء, إذ أنه حق مطلق يكرس حق القوة و حق البقاء للأقوى. و يؤدي في نهاية المطاف إلى حالة من الصراع و الفوضى ما دام الكل يسعى وراء القوة و المصلحة, فتتصادم بذلك الحريات و الرغبات و المصالح, و بالتالي تنشب حرب الكل ضد الكل التي تخلق حالة الطبيعة و التي يسود فيها قانون القوة. غير أن غريزة البقاء لدى الإنسان دفعت به إلى الإحتكام للعقل ثم اللجوء إلى التعاقد الإجتماعي لضمان بقاء الأفراد و استمرارية السلم و ترسيخ قوة الحق.
-  موقف روسو: كان الإنسان يتمتع بحقوقه في حالة الطبيعة، ومع تغير الأحداث جاء المجتمع فكان التعاقد الاجتماعي مصدرا لحقوق ثقافية.
إذا أخذنا نموذج روسو، فإننا نجده يختلف مع هوبز في تصوره لحالة الطبيعة ولطبيعة الإنسان؛ إذ يرى أنها حالة أمن وسلام، وأن الإنسان خير بطبعه. لكنه مع ذلك يلتقي معه في رجوعه إلى حالة الطبيعة من أجل البحث عن مرجعية ومرتكز لتأسيس الحق. هكذا فمبادئ التعاقد الاجتماعي عند روسو تجد ينابيعها الأولى في الحقوق الطبيعية للإنسان. من هنا فالحق يجد أساسه عند روسو فيما هو طبيعي، أي في مجموع المواصفات التي كانت تميز حياة الإنسان في الحالة الطبيعية الأولى.

المحور الثاني : العدالة كأساس للحق

-  موقف  اسبينوزا : العدالة هي تجسيد للحق وتحقيق له فلا توجد حقوق خارج إطار القوانين، ولهذا يُمنع على الحاكم خرق القانون لأنه هو من يسهر على تطبيقه.
اعتبر اسبينوزا أن هناك مبدأ تقوم عليه الدولة الديمقراطية، وهو تحقيق الأمن والسلام للأفراد عن طريق وضع قوانين عقلية تمكن من تجاوز قوانين الشهوة التي هي المصدر الأساسي لكل كراهية وفوضى. من هنا يتحدث اسبينوزا عن القانون المدني الذي تحدده السلطة العليا، والذي يجب على الأفراد احترامه للمحافظة على حرياتهم ومصالحهم المشتركة. وهذا القانون هو الذي تتجسد من خلاله العدالة التي تتمثل في إعطاء كل ذي حق حقه. ولهذا يدعو اسبينوزا القضاة المكلفين بتطبيق القانون إلى معاملة الناس بالمساواة والإنصاف، من أجل ضمان حقوق الجميع، وعدم التمييز بينهم على أي أساس طبقي أو عرقي أو غيره.
-  موقف أفلاطون : لا يؤمن بالمفهوم الديمقراطي للعدالة، أكد بصريح العبارة أن العبيد واهمون حينما يعتقدون في المساواة لأن العدالة لا يمكنها أن تكون كذلك أبدا، لأن الناس خلقوا غير متساويين بطبعهم.
لا يؤمن بالمفهوم الديمقراطي للعدالة، ولكن يؤمن بفكرة وجود لا مساواة طبيعية بين البشر، أي أن الناس يوجد بينهم بالفطرة والطبيعة تفاوت وتمايز سواء من حيث القدرات الجسمية أو من حيث القدرات العقلية. وفي نظره فإنه كما تنقسم النفس البشرية إلى ثلاث قوى (العاقلة، الغضبية، والشهوية)، ينقسم أفراد النوع الإنساني إلى ثلاث فئات (حكام، جنود، وحرفيون). وعليه فإن كانت الوظيفة الطبيعية للنفس العاقلة، هي توجيه عمل النفس الغضبية والشهوية، بالشكل الذي يضمن الانسجام والتناغم في حياة الفرد، فإن وظيفة الحكام هي تدبير شؤون الحرفيين والجنود، وتوجيه عملهم نحو تحقيق الانسجام والتناغم في حياة المجتمع. ان غاية الدولة حسب أفلاطون هي تحقيق الانسجام والتناغم بين مكونات المجتمع. وهو تناغم لا يتحقق إلا "بانصراف كل فئة إلى أداء المهمة التي هيئتهم الطبيعة للقيام بها دون التدخل في مهام الفئات الأخرى".

المحور الثالث : العدالة بين المساواة والإنصاف

-  موقف ألان : لا يمكن الحديث عن الحق والعدالة إلا في إطار المساواة بين الناس، فالقوانين العادلة هي التي يكون فيها الناس سواسية، بالرغم من التفاوتات الحاصلة في أفراد المجتمع الواحد.
لا يمكن الحديث حسب ألان، عن الحق إلا في إطار المساواة بين الناس. فالقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية. والحق لا يتجسد إلا داخل المساواة باعتبارها ذلك الفعل العادل الذي يعامل الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم. وهنا يتحدث ألان عن السعر العادل ويميزه عن سعر الفرصة؛ بحيث أن الأول هو المعلن داخل السوق والذي يخضع له الجميع بالتساوي، بينما الثاني هو سعر يغيب فيه التكافؤ بين الطرفين؛ كأن يكون أحدهما مخمورا والآخر واعيا، أو يكون أحدهما عالما بقيمة المنتوج والآخر جاهلا بذلك. هكذا فالمساواة لن تتحقق حسب ألان إلا إذا عرض الباعة لكل الناس نفس السلع وبثمن موحد. ومعنى ذلك أن العدالة لن تتحقق إلا كانت القوانين الجاري بها العمل تعامل الناس بالمساواة التي هي أساس إحقاق الحق.
-  موقف راولز : ان المساواة وحدها غير كافية لتحقيق العدالة، لان المساواة لا تعترف بالظروف الاجتماعية بين الأفراد، وكذلك المواهب الطبيعية والمؤهلات التي يتوفرون عليها، فالعدالة المنطقية هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طباعهم، ومؤهلاتهم وظروفهم الاجتماعية.
يرى أن المساواة وحدها غير كافية لتحقيق العدالة، ويؤكد على أن النظام العادل لابد وأن يقوم على مبدأي المساواة واللامساواة معا: المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية، واللامساوة الاجتماعية والاقتصادية، مثل اللامساواة في الثروة والسلطة. فمن يملك مؤهلات وقدرات تؤهله لبروغ مراتب عليا، لا يمكن مساواته بمن هو أقل حضا منهم. بيد أن اللامساواة، لا تكون عدلا وإنصافا إلا إذا استوفت شرطا وحققت غاية. فأما الشرط فهو استفادة الأقل حظا من ثمار هذه الثروة والسلطة، وأما الغاية، فهي ضمان التعاون الإرادي والعمل المشترك من أجل الرخاء. فالعدالة المنطقية هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طباعهم، ومؤهلاتهم وظروفهم الاجتماعية. وهذا عكس المساواة التي لا تعترف بالظروف الاجتماعية بين الأفراد، ولا المواهب الطبيعية والمؤهلات التي يتوفرون عليها. وبالتالي لتحقيق العدالة، يجب مراعاة المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية، وأيضا مراعاة اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، كالسلطة والثروة. وهذا ما يؤدي إلى عدالة منصفة.



X

أخي أختي لا تنسوا اخوانكم في فلسطين من الدعاء

اللهم انا نستودعك أهل غزة