مجزوءة السياسة : مفهوم الدولة


المحور الاول : مشروعية الدولة و غاياتها

-  موقف اسبينوزا : ليس الهدف من الدولة الاستبداد والإخضاع، بل هدفها ضمان حقوق الناس وتوفير حرياتهم، شريطة ألا يتصرفوا ضد سلطتها.
لقد قطع فلاسفة التعاقد الاجتماعي مع التصور الديني للدولة، ولذلك فمشروعية الدولة عندهم تستمد من الالتزام بمبادئ التعاقد المبرم بين الأفراد ككائنات عاقلة وحرة. هذا التعاقد الحر بين الأفراد سيؤسس الدولة على قوانين العقل، التي من شأنها أن تتجاوز مساوئ حالة الطبيعة القائمة على قوانين الشهوة، والتي أدت إلى الصراع والفوضى والكراهية والخداع. ولذلك فغاية الدولة هي تحقيق المصلحة العامة المتمثلة حسب اسبينوزا في تحرير الأفراد من الخوف وضمان حقوقهم الطبيعية المشروعة، والمتمثلة أساسا في الحق في  الحياة و الأمن والحرية. هكذا يرى اسبينوزا أن الغاية من تأسيس الدولة هي تحرير الأفراد من الخوف، وإتاحة الفرصة لعقولهم لكي تفكر بحرية وتؤدي وظائفها بالشكل المطلوب دون استخدام لدوافع الشهوة من حقد وغضب وخداع. ويختصر اسبينوزا الغاية من وجود الدولة بقوله: "الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة".
-  موقف هيغل : تقوم الدولة بخدمة الأفراد وبشكل تنظيمي توفر لهم حقوقهم، وتبقى أهم من الفرد باعتبارها أفضل وجود للإنسان.
لقد انتقد هيجل التصور التعاقدي الذي يعتبر أن للدولة غاية خارجية مثل السلم أو الحرية أو الملكية، ورأى أن غاية الدولة لا تكمن في أية غاية خارجية، وإنما تتمثل في غاية باطنية؛ فالدولة غاية في ذاتها من حيث إنها تمثل روح وإرادة ووعي أمة من الأمم، وتعتبر تجسيدا للعقل الأخلاقي الموضوعي. إن الدولة هي التحقق الفعلي للروح الأخلاقي باعتباره إرادة جوهرية وكونية. ومن واجب الأفراد أن يكونوا أعضاء في الدولة وأن يتعلقوا بها لأن في ذلك سموهم وعلو مرتبتهم؛ فلا يكون للفرد وجود حقيقي وأخلاقي إلا بانتسابه إلى الدولة. هكذا يعطي هيجل الأولوية في تحليله إلى الكل على الأجزاء، وإلى الدولة على الأفراد، ويجعل مصيرهم في أن يحيوا حياة عامة وكونية. فمشروعية الدولة إذن لا تستمد عند هيجل من التحالفات القائمة بين الأفراد، بل تستمد من مبادئ عقلية وموضوعية تتأسس عليها الدولة بشكل حتمي يتجاوز الإرادات الفردية ذاتها.

المحور الثاني : طبيعة السلطة السياسية

-  موقف ماكيافيلي : على الحاكم أن يستخدم كل الوسائل للتغلب على خصومه وبلوغ غايته، وعليه أن يعرف كيف يخضع الناس لسلطته بالقانون والقوة معا.
هكذا دعا ماكيافيلي إلى ضرورة استخدام الأمير لطريقتين من أجل تثبيت سلطته السياسية؛ الأولى تعتمد القوانين، بحيث يستعملها بحكمة ومكر ودهاء، وبشكل يمكن من تحقيق مصلحة الدولة، أما الثانية فتعتمد على القوة والبطش، ولكن في الوقت المناسب. من هنا يجب على الأمير أن يكون أسدا قويا لكي يرهب الذئاب، وأن يكون ثعلبا ماكرا لكي لا يقع في الفخاخ. إن الغاية عند ماكيافيلي تبرر الوسيلة. وما دام أن الناس ليسوا أخيارا في الواقع، فلا يلزم أن ينضبط الأمير للمبادىء الأخلاقية في تعامله معهم، بل لا بد أن تكون له القدرة الكافية على التمويه والخداع، وسيجد من الناس من ينخدع بسهولة.
-  موقف ابن خلدون : على الحاكم أن يكون القدوة لشعبه يحترم الأخلاق الفاضلة ويدافع عن الحق، وعليه أن يتعامل بحكمة واعتدال مع شعبه.
إن علاقة السلطان بالرعية حسب ابن خلدون هي علاقة ملك بمملوكين. ولذلك يجب أن يتأسس هذا الملك على الجودة والصلاح. من هنا يجب أن يحقق السلطان لرعيته كل ما هو صالح لهم، وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يلحق بهم السوء والضرر.
ولذلك وجب أن تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق والاعتدال في التعامل. فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر والخذلان، أما إذا كان رفيقا بهم ، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة والاحترام، ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن.
انطلاقا من هذا حدد ابن خلدون خصلتين رئيسيتين يجب أن يتصف بهما رجل السياسة، وهما الرفق والاعتدال. ولذلك عليه مثلا أن يتصف بالكرم والشجاعة كصفتين يتوفر فيهما الاعتدال المطلوب بين التبذير والبخل من جهة، وبين التهور والجبن من جهة أخرى.

المحور الثالث : الدولة بين الحق و العنف

-  موقف ماكس فيبر : الدولة وحدها من تمتلك حق ممارسة العنف وذلك لإخضاع الناس للقانون ومن هنا فإن العنف الذي تمارسه الدولة يعتبر مشروعا.
الدولة تستمد سلطتها من القوة و العنف من أجل بسط هيمنتها و سيطرتها على الأفراد للحفاظ على النظام العام و الإستقرار الإجتماعي, حيث تمارس هذه القوة باسم القانون و تحت شعار "العنف المشروع". و هكذا تصير الدولة بالنسبة للأفراد هي المصدر الوحيد الذي يملك الحق في ممارسة العنف و التسلط.
-  موقف جاكلين روس : إن سلطة دولة الحق تتخذ ملامح ثلاث: القانون و الحق و فصل السلط.
الدولة التي تتميز بطبيعة استبدادية مطلقة ليست إلا مجرد دولة تقليدية, إذ تختزل كل السلط في يد واحدة و تمارس العنف و القهر على مواطنيها, فيتحولون بموجب ذلك إلى محظ وسائل في خدمتها. أما الدولة العصرية فهي التي تتحدد بطبيعتها الديموقراطية حيث تستمد مشروعيتها من الحق و القانون, و ذلك من خلال الفصل بين السلط و احترام المواطنين و خدمتهم لضمان حريتهم و كرامتهم الإنسانية باعتبارهم ذوات عاقلة و أخلاقية يشكلون غاية في ذاتهم.





X

أخي أختي لا تنسوا اخوانكم في فلسطين من الدعاء

اللهم انا نستودعك أهل غزة